+ محاولات مستحيلة يصنعها الإنسان المسكين ، فهذا يحمل فأسه وآخر مُعداته الحديثة ، وبتعب ووجع وأنين طويل ليخرُج في نهاية تعبه ببئر يرتوي منه ويحيا .
+ فهذا بئر عميق منظره رائع وشهي للعيون : بئر شهوات ومسرات عالمية ، يتجمع حوله شباب وشابات ، رجال ونساء ، يغترفون منه بنهمٍ شديد … أسألكم يا إخوتي : ما قيمة الجرعة من هذا البئر ؟ كل منهم يُجيب : [ لذيذة وقتياً . لكنها تركتني أشدّ عطشاً مما كنت ] ، ويصرُخ آه … أنا عطشان مسكين !!!
+ ها جماعة أُخرى تتجمع حول بئر يا لجماله : [ أمان ، راحة ] ، إنه بئر الثروة والمال … أسألكم ما حالكم ! [ كلٌ يصرخ أنا عطشان ] … ماذا !!! أنتم بئركم لا يحتاج لهذا الصُراخ المُرّ ، المياه كلها في أيديكم : [ كلوا ، اشربوا . تمتعوا ] ؛ آه لو علمت أن كل هذا يأكله السوس والصدأ ؛ [ أنا أعلم هذا ، أنا غير مرتاح … أنا عطشان مسكين !!! ] …
+ هُنا الأمان : جماعة أنيقة وجيهة ن عليها سمات الكرامة والجدية ولهم صيت وشهرة ، الكل يجري حولهم ، أنه بئر العلم ، هذا ذو مركز سامي ، وذلك ذو عقلية راجحة ، وهذا حصل على أعلى الشهادات الدراسية ، إنه مرتاح . أسالكم عن ماء بئركم !! كل منهم يرُد بلهجة صارمة عليها سمة الجدية وفيها كبرياء مُختلط بمذلة مُستترة ، ومرارة دفينة ولا يُريد أن يتكلم ، فهمت [ هو عطشان مسكين ] .
+ يا لعظمة هذا البئر ، ماؤه دافئ ، يُدفئ القلب المُثلج ، ويُضمد الجرح الدامي أسمه بئر العواطف والمحبة البشرية ، أُسرة يبدو فيها الحب والترابط ، يا لسعادتكم !! [ اسكت … يا لشقائُنا ومرارة حياتنا يوم أن يرسُب واحد في أسرتنا في الامتحان ، أو يمرض واحد منا ، يتحول بيتنا جحيم ] … كلٌ يصرُخ : أنا عطشان مسكين .
لقد طالت رحلتي وتعبت . آه . آه … أين الماء ؟؟؟ أنا عطشان ، أنا عطشان .
+ ولدي حبيبي !!
* من يُنادي ؟
+ أنا
* من أنت
+ [ أنا عطشان ] (يو19: 28)
* ما حالك أنت أيضاً ؟
+ أنا يسوع حبيبك ، حملت عطش البشرية كلها ، جف حلقي ونشفت شفتي على الصليب من أجلك … أنا عطشان ليس للماء مثلك ، ولكن لكل نفس تُريد أن تشرب ، جنبي يفيض ماء لترتوي ، أنا أُنادي لِأُعَرِّف الكُل سرّ الارتواء العجيب : [ أن عطش أحد فليُقبل إليَّ ويشرب ] (يو7: 37) ؛ فأنا أقول لك [ إن شعبي عمل شرين ، تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا آباراً مُشققة لا تضبط ماء ] (أر2: 13) .
سرّ تعب كل الجماعات التي قابلتهم ، أنهم أولاً: تركوني أنا الينبوع الأصيل لأن [ كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً . ولكن من يشرب من الماء الذي أُعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذي أُعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبُع إلى حياة أبدية ] ( يو4: 13، 14 ) ، ثانياً : حفروا لأنفسهم وبقوتهم الشخصية ظانين أن آبارهم بدوني ترويهم ن ولكنها سراب مُزعج لهم ، آه يا ابني [ لو علمت عطية الله … لطلبت منه فأعطاك ماءً حياً ] ( يو4: 10 )
* الآن حبيبي وربي وإلهي : أسدل ستاري عن مسرحية فاشلة تماماً ، أسرع بمياه ينبوعك [ واعطني هذا الماء لكي لا أعطش ] ( يو4: 15 ) ، [ لأن عندك ينبوع الحياة ] ( مز36: 9 ) ؛ بغباوة أو بمعرفة بعلم أو بدون علم ، ولكن عند صليبك أسجد : ارويني من نبعك يا فاديَّ . [ فكل الذين يتركونك يخزون . لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحيه ] ( أر7: 13 ) ؛ هدمت كل آباري ، يكفيني بئر حُبك حتى ولو بدى كبئر يوسف الفارغ من المياه ، ولكنه ارتوى منك براً وفداء .
+ لي شروط ولدي : [ الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها ، ليست مثل أرض مصر ( أرض التعب والجدب ) التي خرجت منها حيث كُنت تزرع زرعك وتسقيه برجلك كبستان بقول ( أي بعيداً عني وبنفسك ) بل الأرض التي أنت عابر إليها لكي تمتلكها هي أرض جبال بقاع ، ومن مطر السماء تشرب ماء ( أي من نعمتي بالروح القدس وليس بعملك وعرقك ) ] ( تث11: 10، 11 )
* نعم يا سيدي سأكف عن فلسفتي ورأيي . الآن أخضع عند موطئ قدميك سامعاً صوتك [ استقي مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص ] ( أش 12: 3 ) ، وسأشرب من ينبوعك السماوي ومطرك الهاطل بفيض وغزارة .
+++ الروح والعروس يقولان تعالى . ومن يسمع فليقل تعال ، ومن يعطش فليأتِ ، ومن يرد فليأخذ ماء حياه مجاناً ( رؤ22: 17 )
+++ أيها الْعِطَاشُ جميعاً هَلُمُّوا إلى المياه ، الذي ليس له فضة ، تعالوا واشتروا وكلوا ، هَلُمُّوا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن : خمراً ولبناً ( أش 55: 1)
* سيدي الأرض كلها تُناديك ، أرويها يا من أنت وحدك [ تعهدت الأرض وجعلتها تفيض ، تُغنيها جداً ، سواقي الله ملآنة ماء ] ( مز65: 9 )
+ إنه شابٌ عجيبٌ للغاية يَحْيَا حَيَاة كُلُّهَا تَهَاون وفساد وشرّ ، وكان هذا الشاب مُتَعَدِّيَاً كُل قَانُوُن وَكُل سُّلْطَه وَكُل نَصِيْحَة فيقول : [ أُريد أن أحيا حياتي حُراً لا قيد عليها ولا يهمُني شيء مما يُقال عليَّ أو يتبعني من أذى نتيجة حُريتي ] ، وبات على هذا الحال يهرب من القانون بِكُل الْطُّرُق الْمُلْتَويِة ويظهر بطولات ، هكذا يهرب بكل شقاوة ، وَكَانَت أُمُّه ذَات الْشَبَاب الْنَّاضِر تخاف على ابنها هذا وتُحذرهُ من عواقب أعماله هذه ، ولكن هيهات ، فبكل عناد وكبرياء يهز كتفيه ويقول : [ اترُكيني وحالي، حُريتي هي الأساس ، فالناس كلهم لا يعرفون ما أعرف ] ، وبلغت ثقته بنفسه وبأعماله مُنتهاها ، وأخيراً وقع هذا الشاب في يد العدالة وَاقْتِيْد إِلَى الْمُحَاكَمَة وَحَضَرَت أُمُّه قَاعَة الْحُكْم ، وكان الشاب ابنها في قفص الاتهام لا يبدو عليه أي علامة من عَلَامَات الْحَسْرَة أو الندم ، بل بِكُل تَفَاخُر سَمِع الْحُكْم … ! [ ثلاثة سنوات سجن ] ، ارْتَسَمَت حِيْنَئِذ عَلَى وَجْه أُمِّه الْشَّابَّة مَوْجُه مِن الْحُزْن وَالْكَآبَة ، وَاحْمَرَّت وَجْنَتَيْهَا وَانْسَابَت الْدُّمُوْع بِغَزَارَة عليها ، لعلها تُطْفِئ لَهِيْب تِلْك الْوَجْنَتَيْن الْمُتَّقِدَتَيْن بِالاحْمِرَار ، فرآها ابنها الشاب بهذا المنظر في آخر منظر لها قَبْل أَن يَدْخُل ظُلْمَة السجن، وانصرفت الأم لتقول: [ … آه … يا ابني ، ليتك تعود بسرعة وترتد إليَّ ] …
وعادت إلى منزلها يَعْتَصِرُهَا الْأَلَم وَيُمَتَّص شَبَابِهَا الْغَض ، لَيَالِيْهَا بُكَاء وَنَحِيب ، وَنَهَارُهَا ذِكْرَيَات مَرَار ، ابنها حبيبُها يُصيب قلبُها بِوَجَع يَصْعَد مَع أَنَفَسَاهَا ، ودخل الشاب السجن وهو غير مُهتم بأي شيء ، وَظَلَّ فِي عِنَادِه وَكِبْرِيَاءَه يَقُوْل : [ مهما كان سأتمتع بحُريتي ] ، ويُزيد في تأكيد كِبْرِيَاءَه قائلاً : [ أَن غَبَائِي هو الذي أوقعني في يد العدالة ، فَسَوْف لَا أَسْقُط فِي يَدِهَا مَرَّةٌ أُخْرَى ] ، ثم انتهت فترة السجن وَخَرَج الْابْن لِتَوِّه وَهُو يُفَكِّر أن لَا يُذْهِب إِلَى أُمِّه لكي لا تمنعهُ عن حُرِّيَّتِه الَّتِي يَدَّعِيَهَا ، ولكنه لَم يَعْرِف مَكَان إِلَّا بَيْت أُمِّه ، فَذَهَب إِلَيْهَا وَقَرَع الْبَاب ، فَخَرَجْت الْأُم يَعْلُو رَأْسِهَا الْمَشِيب وَوَجْهُهَا قَد تَجَعُّد وَظَهْرِهَا تَقَوَّس ، فنظر الابن إلى تلك السيدة العجوز وحقق النظر فيها ليعرف من هذه ؟ واستمر في النظر إليها لمُدة ثانيتين .. !! .. ثم صرخ : [ أُمِّي ] ، فَرَكَض إِلَيْهَا وَاحْتَضَنَهَا بين يديه وَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً ، فَلِأَوَّل مَرَّة يِعْرَف أَن حُرِّيَّتِه هَذِه كَاذِبَة ، ويطلب من أمه باتضاعٍ عجيب وهو ساجداً عند قدميها : [ آَه . يَا أُمِّي أَنَا سَبَّبْت لَكِ أَلَمٌ مَرِيْر . سَامِحِينِي فَسَوْف لَا أَعُوْد إِلَى حَيَاتِي الْشَّقِيَّة الْمَرْيَرَة ، لِأَنِّي لِأَوَّل مَرَّة أُفُّهُم آَثَارُهَا … آَه . آَه ، هَل شُرُوْرِي فَعَلْت إِلَى هَذَا الْحَد ؟ ] ، ثُم عَكَف بعد ذلك على حِفْظ شَبَابَه فِي أَحْسَن حَال .
+ ماذا قد رأيتُ الآن يا حبيبُنا القارئ ؟ أي حالٌ أنت فيه ؟ أين أنت من قصة ذلك الشاب ؟ فإن كُنت بنفس ذات حال الشاب ، فهيا الآن أُخرج من السجن ولا تتردد واذهب إلى بيت أبيك السماوي ، كفى اليوم طعام الخنازير ، إنك سَوْف لَا تَطْرُق الْبَاب مِثْل ذَلِك الْشَّاب ، بَل سَتَجِد نَفْسَك أَمَام مَنْظَر عَجِيْب عِنْد الجُلْجُثَة ، حيث ترى نتيجة خطاياك وخطاياي وخطايا العالم كله ، أن الرب يسوع هو الذي يُكلمُك : [ من أجلك احتملت العار ، غطى الخجل وجهي ] ( مز69: 7 )
يا ليت هذا فقط بل أنهُ [ أُسْلِمَ مِن أَجْل خَطَايَاك ] ( رو4: 25 )
وأيضاً ليس هذا فقط بل أنه [ مَات مِن أَجْل الْفُجَّار ] ( رو5: 6 )
+ قد تكون سمعت هذا من قبل ، أما اليوم فأنت تقترب من بيت الآب ، أسرع لا تتأخر فَسَتَجِدُه أَرْسَل ابْنَه وَحِيَدَه حَبِيْبهُ إِلَيْك ، وَدِمَاؤُه مَلَأَت رَأْسِه ، وَأَشْلاء جَسَدِه مُمَزَّقَه عَلَى الْصَّلِيب وَجَبِيْنُه مُنْحَنِي ، قف أمامه ولو ثانيتين وتحقق مما فعلته وجلبته على ابن الله !